الرئيسية صحافة حقوق الإنسان سوريا: أكثر من 50 حالة تجنيد لأطفال في مناطق الإدارة الذاتية خلال 2023

سوريا: أكثر من 50 حالة تجنيد لأطفال في مناطق الإدارة الذاتية خلال 2023

فشلت السلطات المحلّية في إيقاف عمليات تجنيد القاصرين/ات وحمايتهم وسط إفلات تام من العقاب للأفراد والجهات المتورطة

بواسطة communication
878 مشاهدة تحميل كملف PDF هذا المنشور متوفر أيضاً باللغة: الإنجليزية حجم الخط ع ع ع
أعضاء من حركة الشبيبة الثورية يحملون أعلام المنظومة في كوباني - مصدر الصورة: الموقع الرسمي لحركة الشبيبة الثورية

برغم التعهدات والوعود التي قطعتها سلطات الإدارة الذاتية، بما يخصّ منع ظاهرة تجنيد الأطفال والحدّ من تلك الممارسة في مناطق سيطرتها، ما تزال العديد من الجهات العسكرية وغير العسكرية المرخّصة لديها تحرم عشرات العائلات من أطفالهم. فقد وثقت “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” تجنيد ما لا يقل عن (52) طفلاً خلال العام 2023، من بينهم (29) قاصراً و (23) قاصرة، وتوزعت الحالات جغرافياً في منطقة القامشلي حيث تمّ تسجيل (22) حالة، وفي حي الشيخ مقصود بمدينة حلب تم تسجيل (13) حالة،  وفي مدينة منبج تمّ توثيق (7) حالات، و (6) حالات في الرقة،  و (4) حالات في عين العرب/كوباني.

وبحسب التوثيقات التي جمعتها “سوريون” فقد كانت “الشبيبة الثورية” مسؤولة عن (43) حالة تجنيد أطفال على الأقل، فيما تورطت وحدات حماية المرأة  – YPJ ومجموعات عسكرية أخرى تابعة لـ”قوات سوريا الديمقراطية” بباقي الحالات.

يقدم هذا التقرير الموجز مجموعة جديدة من الشهادات التي تؤكد مواصلة عمليات تجنيد الأطفال في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية، هذا ولم يذكر التقرير البيانات الخاصة بالمصادر والأطفال أو تواريخ التجنيد/الاختطاف الدقيقة، وتمت الاستعاضة عن ذلك بأسماء وهمية، وتواريخ تقريبية، وذلك حفاظاً على خصوصية وأمن الأطفال وذويهم/ن.

تأتي عمليات التجنيد المستمرة، رغم “خطة العمل التي تم توقيعها بين قوات سوريا الديمقراطية والأمم المتحدة في قصر الأمم المتحدة، في 29 حزيران/ يونيو من عام 2019″،[1] والتي تمَّ بموجبها تأسيس “مكتب حماية الطفل في النزاعات المسلحة” التابع للإدارة الذاتية في 20 تشرين الأول/أكتوبر 2020، ثم إصدار قانون حماية الطفل (القانون 54) عام 2022؛ الذي نصّ على “إبعاد الطفل عن النزاعات المسلّحة”.

وقد علمت “سوريون” مؤخراً من مصدر محلّي خاص أن “مكتب حماية الطفل” الذي ألحِق بـ”هيئة المرأة” في الإدارة الذاتية بات بديلاً عن المكتب المستقل الذي تمّ حلُّه منذ أكثر من عام، و “لا يقوم بأي عمليات رصد وتوثيق لحالات تجنيد الأطفال، ويرفض استقبال شكاوى الأهالي الذين تم تجنيد أبنائهم وبناتهم”.[2] علماً بأن التوثيقات والتقارير التي نشرتها “سوريون” خلال الأعوام الثلاثة الماضية تبين أن المجموعات العسكرية التابعة للإدارة الذاتية –”حركة الشبيبة الثورية” خصوصاً- لم تتوقف فعلياً عن القيام بتجنيد الأطفال خلال عام 2023.[3]

أخيراً، تشكّل ممارسة تجنيد الأطفال، خرقاً لميثاق العقد الاجتماعي السابق والذي نادى بضمان حقوق المرأة والطفل، (الديباجة). وتشكّل في حال استمرارها، خرقاً مباشراً لـ”العقد الاجتماعي المعدل“، الذي صادق عليه المجلس العام في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا بتاريخ 12 كانون الأول/ديسمبر 2023، والذي نصَّ بشكل واضح[4] على منع تجنيد الأطفال في المادة 55 منه، حيث جاء فيه: “حقوق الطفل مصانة، ويمنع استخدام العنف ضدهم وتشغيلهم واستغلالهم و تجنيدهم، وينظم ذلك بقانون”.

1. شعار “حماية المرأة والطفل” غطاء لانتهاك حقوقهما:

تشير الشهادات التي جمعتها “سوريون” إلى أن عدداً من مؤسسات الإدارة الذاتية استخدمت مبدأ “ضمان حقوق المرأة و الطفل، وتأمين الحماية الذاتية والدفاع المشروع” الوارد في ديباجة العقد الاجتماعي السابق، كذريعةً للاستمرار بعمليات تجنيد القاصرات في مناطق سيطرتها. ففي حين تحتاج النساء والفتيات إلى جهود حقيقية وجدية لحمايتهن وتمكينهن من الحصول على حقوقهن، تستغلّ حركة “الشبيبة الثورية” وجهات عسكرية أخرى، حاجتهنَّ هذه بالذات، للقيام بتجنيدهنَّ بدلاً من توفير الحماية لهنّ.

تشير الإحصائية التي جمعتها “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” إلى أنه تم تجنيد 73 طفلة على الأقل منذ بداية عام 2021؛ وقد قتلت إحداهن خلال اشتباكات مع القوات التركية في العراق بتاريخ 22 أيار/مايو 2022.

تؤكد استمرار عمليات تجنيد الفتيات، وما يليها من إخفاء لأماكنهن، إفادة “أحمد”، وهو مزارع من ريف حلب، ووالد لفتاتين مجندتين، تبلغ الكبرى منهما 24 عاماً والصغرى/القاصرة 14 عاماً:

“في أحد أيام شهر تموز/يوليو 2023، خرجت ابنتاي من المنزل ولم تعودا… وحين تواصلنا مع إحدى قريباتنا وهي قيادية في قسد، أنكرت معرفتها بمكان وجودهما بدايةً، ثم بعد ثلاثة أشهر أعطتنا صورة لهما مع رسالة مفادها أنهما بخير وموجودتان في ‘تل رفعت’. كما أخبرنا أحد الجيران لاحقاً أنّه شاهد الفتاتين على أحد الحواجز في تل رفعت، وكانتا مسلَّحتين وترتديان زياً عسكرياً”.

أما السيدة “سميرة”، المقيمة في القامشلي، فقد تحدثت عن المنهجية التي اتبعتها “حركة الشبيبة الثورية” في تجنيد ابنتها (14 عاماً) بواسطة إحدى زميلاتها في المدرسة، وقد حدث هذا في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2023، حيث قالت:

“لابنتي زميلة في صفها كانت قد انتسبت إلى الشبيبة الثورية؛ وبعد أن التحقت بدورة تدريبية لمدة شهرين، عادت وتولت مهمة ضمّ فتيات جدد. بعد مدّة من اختفاء ابنتي أخبرتني إحدى صديقاتها أنّ زميلتهما ‘ليلى’ أنشأت مجموعة محادثة عبر تطبيق انستغرام وأنها تعمل من خلالها على تجنيد الفتيات. كانت ابنتي تستخدم هاتفي بعد نومي للتواصل مع ليلى، وقد علَّمتها الأخيرة كيفية تحميل تطبيق انستغرام وإخفائه كي لا أكتشف وجوده. قصدتُ أحد محلات صيانة الموبايلات وتمكنت من إظهار التطبيق المخفي، وحين قرأت المحادثات عرفت تفاصيل كثيرة أخرى”.

أضافت السيدة:

“خلال آخر محادثة بين ابنتي وليلى، كتبت الأخيرة ‘سنكون في انتظارك بين الساعة الثالثة والسادسة مساءً وعليك أن تأتي’ وطلبت منها أن تكون جاهزة تنتظرها أمام باب الحديقة، كي يذهبا معاً لمقابلة بعض الأشخاص المهمين، وأن ترتدي ثياباً أنيقة احتراماً للاجتماع. وأوصتها ألا تقول أنها وحيدة، وأن تهدد وتقول ‘إن لم تقبلوا انضمامي إليكم، سأقتل نفسي أو سأبقى مشردة في الشوارع’ وأن تدَّعي أني أريد تزويجها قسراً من ابن خالها”.

تابعت والدة الطفلة القاصرة:

“قصدتُ بيت ليلى واتهمتُها بأنها من تسبّبت باختفاء ابنتي وأنّ عليها أن تعيدها إلي؛ فأخبرت بدورها الشبيبةَ الثورية؛ الذين تواصلوا معي وأعطوني موعداً في مقرهم في مدينة القامشلي. قابلت هناك شخصاً اسمه الحركي ‘ريناس’، قال لي أنّ ابنتي انضمت إلى الشبيبة الثورية، وأنها أخبرتهم بأني سأزوجها من ابن خالها. وضحتُ له أن أكبر أبناء أخي لم يتجاوز السابعة من عمره بعد. عندئذ أجرى اتصالاً هاتفياً مع إحدى النساء القياديات وتدعى ‘روناهي’، فأجابت أنهم حسموا مسألة انضمام ابنتي إليهم، وأنها اختارت مصيرها… فيما بعد، قصدتُ العديد من المراكز والمؤسسات التابعة للإدارة الذاتية ومقر قوات الكوماندوس ومركز الشكاوى التابع للأسايش… لكن دون جدوى”.

2. تجنيد ومشاركة في الأعمال القتالية:

في حالات أخرى، لم تتوفر للأهالي معلومات كافية حول ظروف تجنيد بناتهم أو الجهات الضالعة والمتورطة فيه، حيث زعمت بعض المصادر التي قابلتهم “سوريون” أنّ عمليات التجنيد التي وقعت بحق فتياتهم تمّت بـ”الإكراه”. منها حالة السيد “عيسى”، والمقيم في حي الشيخ مقصود، والذي قال في إفادته ما يلي:

“تبلغ ابنتي الصغرى 12 عاماً، وهي طالبة في السادس الابتدائي، اعتادت التردد إلى منزل إحدى صديقاتها واللعب معها؛ وهناك كانوا يتحدثون أمامها عن حزب العمال، لكنها لم تكن تهتم، فهي صغيرة على الاهتمام بأمور كهذه. في تموز/يوليو 2023، اختُطفت ابنتي من منزل صديقتها بواسطة سيارة فان سوداء. ذهبنا إلى أحد المقرات للسؤال عن مصيرها؛ وبعد يومين جاء ثلاثة من الحزب إلينا وأخبرونا أنّ ابنتي ذهبت معهم بناء على رغبتها، وأنها بخير، وتريد أن تصبح مقاتلة… وقد انقطعت أخبارها تماماً منذ ذلك الوقت”.

وبدوره قال السيد “عبد الله”، وهو والد إحدى الطفلات المجندات، لـ”سوريون” ما يلي:

“عمر ابنتي 14 عاماً، تدرس في مدرسة إعدادية واقعة بين حيي الأشرفية والشيخ مقصود؛ اختُطفت من أمام مدرستها في تشرين الثاني/نوفمبر 2023. وبعد 48 ساعة جاءت ثلاث نساء من إحدى المنظمات النسائية التابعة للإدارة الذاتية، وأخبرننا أنّ ابنتنا لديهنَّ دون ذكر أي تفاصيل أخرى، وذهبن دون أن يجبن على استفساراتنا”.

هذا وقد جرى تجنيد “رزانا” (15 عاماً)، و “جيان” (14 عاماً) بذات الأسلوب، بحسب إفادة أحد أقارب الطفلتين، والذي قال:

“في تشرين الأول/أكتوبر 2023، خرجت الطفلتان ظهراً للتسوق في مدينة القامشلي؛ ثم نحو الساعة السابعة مساءً، اتصلت سيدة من وحدات حماية المرأة، وقالت أنَّ الطفلتين التحقتا بهم. تحركنا على الفور للسؤال والضغط عن طريق معارفنا في سبيل إعادتهما. وبعد ثلاثة أيام تمكَّنَّا من الاجتماع مع ثلاثة من كوادر قسد في مقر العلاقات العسكرية جنوب القامشلي. كنتُ حاضراً حينها هناك برفقة عائلتَي الطفلتين. سمحوا لنا بمقابلة الطفلتين مدة ربع ساعة وكانت علامات الخوف بادية عليهما. صرَّحت كلتاهما أنهما لا تريدان العودة، بينما واصلتا التحديق في عيون مسؤولات وحدات حماية المرأة وهما خائفتان… حاولنا تقديم شكاوى ضدّ وحدات حماية المرأة في محكمة الشعب، ووافقوا في البداية على أن نقوم بكتابة شكوى، لكنهم رفضوا قبولها لاحقاً”.

وقد لاحظت “سوريون” وجود تقاطع كبير في أقوال معظم المصادر الذين قابلتهم أثناء إعداد هذا التقرير حول الدور المحوري الذي تلعبه “حركة الشبيبة الثورية” (جوانن شورشكر)، في عمليات تجنيد الأطفال والفتيات القاصرات خصوصاً. وبالتوازي مع استمرار عمليات تجنيد الأطفال من قبل الوحدات العسكرية، تواصل المؤسسات المدنية التابعة للإدارة الذاتية تجاهل الظاهرة أيضاً، حتى في نشاطاتها التي تستهدف شؤون الطفل؛ حيث غاب موضوع استخدام الأطفال في أغراض عسكرية عن توصيات المؤتمر الأول  لحماية الطفل، والذي نظمته “هيئة المرأة” في الإدارة الذاتية بتاريخ 5 تشرين الأول/أكتوبر 2023، تحت شعار “بتنشئة الطفولة السليمة نبني المجتمع ونحمي جيل المستقبل”.

3. توصيات:

تجدد “سوريون” مطالبتها للإدارة الذاتية والمجموعات العسكرية العاملة معها بالالتزام الكامل والشفاف بالاتفاقيات التي وقعتها سابقاً لمنع تجنيد الأطفال (مع منظمة نداء جنيف عام 2014، ومع الأمم المتحدة عام 2019)، والتسريح الفوري لجميع الأطفال والطفلات المجندين/ات في صفوفها، وإعادة فتح “مكتب حماية الطفل في النزاعات المسلحة” وضمان استقلاله وتفعيل دوره في المراقبة وتلقي الشكاوى ومحاسبة المتورطين في هذه الانتهاكات، واحترام العقد الاجتماعي الصادر عنها، الذي نص على عدم جواز تجنيد الأطفال، كما ذُكِرَ أعلاه، وكذلك القانون رقم 54 الصادر عن الإدارة الذاتية نفسها، والخاص بحماية حقوق الطفل، والذي اعتبر أن الطفل هو كل من لم يتجاوز الثامنة عشر من عمره. وتذكّر “سوريون” بأنّ القانون الدولي الإنساني (قوانين الحرب) والقانون الدولي لحقوق الإنسان يحظران على القوات الحكومية والجماعات المسلحة غير التابعة لدول تجنيد واستخدام الأطفال كمقاتلين أو في أدوار معاونة أخرى. ويحظر البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل، الذي صدقت عليه سوريا في عام 2003، على الجيوش غير التابعة لدول تجنيد أو استخدام الأطفال تحت سن 18 عاماً في أية أعمال عدائية مباشرة. وتجنيد الأطفال تحت سن 15 عاماً، بما في ذلك في الأدوار الداعمة، يعد جريمة حرب بحسب تعريف نظام روما المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية .


[1] بيان صادر عن مكتب حماية الطفل في النزاعات المسلحة بتاريخ 14 كانون الثاني/ديسمبر 2020. موقع المجلس التنفيذي. آخر زيارة للرابط: 19 كانون الثاني/ديسمبر 2023. https://smne-syria.com/eb/?p=928

[2] اتصال مع ناشطة مطَّلعة مقيمة في شمال شرق سوريا في 10 كانون الأول/ديسمبر 2023.

[3] انظر مثلاً تقرير 49 حالة تجنيد أطفال في مناطق الإدارة الذاتية خلال 2022 الصادر بتاريخ 25 كانون الثاني/يناير 2023، وتقرير شمال شرق سوريا: حركة “الشبيبة الثورية” تستمر بعمليات تجنيد الأطفال الصادر بتاريخ 7 تموز/يوليو 2023، وكذلك تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بسوريا الصادر في أيلول/ سبتمبر 2023 الفقرة 99 وما بعدها.

[4] مقارنةً بالمادة 29 من ميثاق العقد الاجتماعي السابق (الصادر عام 2014) ونصُّها: “يضمن هذا العقد حق الطفولة، ويمنع تشغيل الأطفال واستغلالهم وتعذيبهم نفسياً وجسدياً، و تزويجهم في سن مبكرة”.

منشورات ذات صلة

اترك تعليقاً

* By using this form you agree with the storage and handling of your data by this website.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك عدم المشاركة إذا كنت ترغب في ذلك. موافق إقرأ المزيد