مقدمة:
بالرغم من “اتفاق التسوية” الأساسي[1] الموقّع في الجنوب السوري خلال شهر تموز/يوليو 2018، شنّت القوات الحكومية السورية وتحديداً في 1 آذار/مارس 2020، هجوماً عسكرياً عنيفاً على أحياء في مدينة الصنمين بريف درعا الشمالي، والتي يتواجد فيها عناصر سابقين من المعارضة السوريّة المسلّحة مثل مجموعة “ثوار الصنمين” بقيادة “وليد العتمة” والملّقب بـ”وليد الزهرة” وهو أحد المقاتلين السابقين في “حركة أحرار الشام الإسلامية”.
استمرّ هذا الهجوم يوماً كاملاً، حيث تخللّه اشتباكات ومواجهات عسكرية ما بين الطرفين وقصف مدفعي وصاروخي من جانب القوات الحكومية السورية، ما أسفر عن مقتل تسعة أشخاص بينهم ثلاثة مدنيين، وتسبّب في احتراق عدد من المنازل السكنية.
انتهى الهجوم بعد مفاوضات جرت ما بين الطرفين بوساطة روسية، حيث تمّ التوصل إلى “اتفاق تسوية” جديد في مدينة الصنمين، خرج بموجبه 19 من عناصر المعارضة المسلّحة الرافضين لاتفاق “التسوية/الأخير” إلى محافظة إدلب، وتمّ على إثره تسليم عدد من قطع السلاح، فضلاً عن تعهّد الحكومة السورية بعدم اعتقال أي شخص من المدينة.
وبحسب الباحث الميداني لدى المنظمة، فمازال العديد من السكان المحليين في مدينة الصنمين، في حالة ترّقب وخوف من الوعود التي قُدّمت لهم من الضامن الروسي، والتي تضمنّت حمايتهم من اللجان الشعبية والقوات الحكومية السورية في المدينة، وخاصةً أنّ الوعود السابقة المقدّمة لأهالي مدن درعا في أعقاب “اتفاق التسوية” في تموز/يوليو 2018، كانت قد خلّفت 952 حالة اعتقال[2] طالت أفراداً من محافظة درعا رغم اجرائهم “اتفاق تسوية” مع الحكومة السورية حتى لحظة إعداد هذا التقرير في 15 نيسان/أبريل 2020.
على الجانب آخر، أثار هذا الهجوم مخاوف العديد من السكان المحليين في محافظة درعا، من تكرار السيناريو ذاته في مدن وبلدات المحافظة التي يتواجد بها عناصر سابقين من المعارضة المسلّحة، مثل بلدات (جاسم وطفس ودرعا البلد ونوى وجلين) وغيرها، وخاصةً بعدما ما شهدته بلدة جلين بريف درعا الغربي في 18 آذار/مارس 2020، أي بعد الهجوم الصاروخي والمدفعي على مدينة الصنمين من قبل القوات الحكومية السورية المتمركزة في منطقة إزرع ومدينة درعا، ما أدى إلى مقتل 7 مدنيين[3] بينهم طفلين من أهالي البلدة، كما تسببّ في نزوح عدد من العائلات باتجاه بلدة تل شهاب وبلدات حوض اليرموك الغربي، وقد جاء هذا الهجوم عقب اندلاع اشتباكات ما بين عناصر من المعارضة المسلّحة من جهة والقوات الحكومية السورية من جهة أخرى، والتي كانت قد استقدمت تعزيزات عسكرية حول البلدة، مما أدى إلى مقتل عنصرين من المعارضة المسلّحة وإصابة ثلاثة آخرين.
-
مدينة الصنمين قبيل سيطرة الحكومة السورية على كامل محافظة درعا في 2018:
خلال فترة سيطرة المعارضة المسلّحة[4] على الجنوب السوري، كانت مدينة الصنمين تضمّ كغيرها من مدن محافظة درعا، الكثير من المعارضين وعناصر المعارضة المسلّحة الذين يمتلكون السلاح الخفيف والمتوسط ويقدّر عددهم بالعشرات، ولم تكن تعتبر خارجة عن سيطرة القوات الحكومية السورية بشكل كامل، نظراً لتواجد المراكز الأمنية والقطع العسكرية مثل (الفرقة التاسعة) التابعة للجيش النظامي السوري بها، والتي عملت آنذاك على اعتقال العديد من المدنيين وقصف الأحياء السكنية في مدينة الصنمين والمدن والقرى المحيطة مثل مدينة إنخل ومدينة جاسم، وقد شهدت المدينة خلال هذه الفترة، مواجهات بين المعارضة المسلّحة والقوات الحكومية السورية، حيث تمّثلت بالهجوم على المراكز الأمنية والعسكرية الحكومية.
في 25 كانون الأول/ديسمبر 2016، فرضت القوات الحكومية السورية حصاراً على المدينة دام عدّة أيام، أجبر فيها المدنيين والعسكريين المعارضين على الدخول في مفاوضات، نتج عنها دخول المدينة في “اتفاق تسوية” يقضي بتسليم قطع السلاح الموجودة لدى الفصائل الموجودة هناك وتوقيعهم على تعهّد بعدم القيام بأي “عمليات إرهابية” ضدّ قوات الحكومة السورية، بالإضافة إلى انضمام المقاتلين والمتخلّفين عن الخدمة العسكرية إلى صفوف القوات الحكومية السورية والفيلق الخامس[5] المحسوب على روسيا، وقد بلغ عدد الموقّعين على اتفاق التسوية آنذاك أكثر من 500 شخصاً، بينهم 150 من المقاتلين المعارضين، وعقب هذا الاتفاق بقي التوتر قائماً في المدينة نتيجة ممارسات القوات الحكومية السورية والحواجز المنتشرة والاعتقالات المستمرّة، حيث تم تشكيل لجان أمنية من أبناء المدينة تتبع للمخابرات العسكرية السورية، وبقي الأمر على هذا الحال لحين سيطرة الحكومة السورية على كامل محافظة درعا في تموز/يوليو 2018.
-
مدينة الصنمين خلال سيطرة الحكومة السورية على محافظة درعا:
خرج العشرات من المدنيين والعسكريين المعارضين من مدينة الصنمين باتجاه الشمال السوري، بعد توقيع اتفاق “التسوية” بين الحكومة السورية من جهة والمعارضة السورية المسلحة من جهة أخرى في تموز/يوليو 2018، وكان أحد بنود اتفاق التسوية ينصّ على عودة النازحين في داخل المحافظة إلى مدنهم وقراهم، وبناءً على هذا البند فقد عاد عدد من المقاتلين من أبناء الصنمين ممن كانوا في قرى متفرقة من محافظة درعا إلى داخل مدينة الصنمين، حيث وقّع بعضهم على اتفاق التسوية، فيما رفض بعضهم الآخر التوقيع على ذلك الاتفاق لكنهم عادوا إلى المدينة، وقد كان من أبرزهم القيادي المعروف “وليد العتمة” والملقب بـ”وليد الزهرة” والذي كان مقاتلاً سابقاً في حركة أحرار الشام الإسلامية، حيث برز اسمه في المدينة كأحد الشخصيات التي قادت لاحقاً عمليات عسكرية ضدّ الحكومة السورية خلال العام 2019 وبداية العام 2020، وقد قُتل أثناء الهجوم الأخير الذي شنته الحكومة السورية على الصنمين في 1 آذار/مارس2020.
-
بداية سلسلة من الهجمات والاغتيالات في مدينة الصنمين عقب توقيع اتفاق التسوية:
بعد دخول “وليد العتمة” ومجموعته التي أطلقت على نفسها اسم “ثوار الصنمين” إلى مدينة الصنمين عقب توقيع اتفاق التسوية في العام 2018، بدأت سلسلة من الهجمات ضدّ المراكز الأمنية والحواجز العسكرية في المدينة، كما ازدادت عمليات الاغتيال المتبادلة[6] بشكل كبير في العام 2019، سواء كانت ضدّ عناصر القوات الحكومية السورية واللجان الشعبية المرتبطة بالمخابرات العسكرية من جهة، أو عناصر المعارضة المسلّحة من جهة أخرى، وفي هذا الخصوص تحدّث “أيهم.ع” أحد نشطاء مدينة الصنمين، لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلاً:
“بعد دخول “وليد الزهرة” ومجموعته إلى مدينة الصنمين عقب توقيع اتفاق التسوية في محافظة درعا في تموز/يوليو 2018، بدأت تظهر بشكل كبير عمليات الاغتيال والهجوم على النقاط الأمنية والحواجز العسكرية التابعة للنظام السوري في مدينة الصنمين، وكانت ذروة تلك العمليات في بداية العام 2019، حيث تم تسجيل أكثر من 20 هجوماً في هذا العام وحده، أهمّها في 15 أيار/مايو 2019، حيث تمّ الهجوم على مركز الأمن الجنائي في الصنمين، وقُتل خلاله أكثر من 3 عناصر للنظام السوري، كما قام عناصر يتبعون للأمن العسكري باعتقال 3 مدنيين من المدينة، أمّا في أوائل العام 2020، فقد تمّ تسجيل أكثر من 10 هجمات على تلك النقاط العسكرية والأمنية، كما تمّ رصد أكثر من 6 عمليات اغتيال وأكثر من 12 محاولة اغتيال، طالت في معظمها شخصيات تابعة للنظام السوري وعناصر تابعة للأمن السوري وموظفون حكوميون، مثل محاولة اغتيال رئيس المجلس المحلي الحكومي في مدينة الصنمين في 8 آذار/مارس 2019، وكانت هناك محاولة لاعتقال (وليد الزهرة) بتاريخ 11 كانون الثاني/يناير 2019، لكنه استطاع الإفلات بعد حدوث اشتباك بين مجموعته وقوات الأمن السوري.”
وأضاف المصدر بأنه وبعد زيادة حدّة الهجمات ضدّ القوات الحكومية السورية في بداية العام 2019، عمدت الأخيرة إلى حصار مدينة الصنمين في 15 أيار/مايو 2019، حيث استمرّ الحصار مدة ستة أيام ومُنع خلالها دخول وخروج المدنيين والمواد الغذائية، وقامت القوات الحكومية السورية خلال هذه الفترة باستقدام تعزيزات عسكرية تمّثلت بإنشاء حواجز جديدة في المدينة، ورفع سواتر ترابية بالقرب من النقاط الأمنية المنتشرة في المدينة، ولم ينتهِ هذا الحصار إلا بعد تدخل وجهاء من المدينة، حيث تمّ الاتفاق على التهدئة والتي لم تدم سوى أيام قليلة، حتى عادت سلسلة الاغتيالات والهجمات ضد مراكز وحواجز القوات الحكومية السورية، بالإضافة إلى قيام قوات الحكومة السورية بإطلاق النار العشوائي باتجاه منازل المدنيين، ما تسببّ بمقتل مدنيين، بينهم طفلان قُتلا بتاريخ 18 تموز/يوليو 2019، وطفل آخر قضى في 19 تشرين الثاني/نوفمبر2019.
-
السيطرة الكاملة على مدينة الصنمين بعد الهجوم الأخير في 1 آذار/مارس 2020:
في مساء يوم 29 شباط/فبراير 2020، فرضت القوات الحكومية السورية طوقاً أمنياً على مدينة الصنمين، حيث استقدمت الأخيرة أرتالاً عسكرية تحوي العشرات من الجنود والآليات، لتبدأ هجومها على المدينة من عدّة محاور فجر يوم 1 آذار/مارس 2020، باستخدام القصف المدفعي والصاروخي والذي تركزّ على الحي الغربي والشمالي الغربي من المدينة حيث يتواجد عناصر من المعارضة المسلّحة، وقد استمرّ هذا الهجوم يوماً كاملاً، تخللّه اشتباكات ومواجهات عسكرية دارت ما بين الطرفين، ما أسفر عن مقتل تسعة أشخاص بينهم ثلاثة مدنيين وهم (خليل فهد العتمة من بلدة الصنمين والذي قُتل نتيجة سقوط قذيفة على منزله بينما أصيبت زوجته بجراح خطيرة، ومحمود محمد داهود الصالح من بلدة الصنمين والذي قُتل بطلق ناري طائش خلال الاشتباكات، وأيسر السعدي من بلدة كفرشمس والذي قُتل نتيجة القصف المدفعي على مدينة الصنمين)، بالإضافة إلى احتراق عدد من المنازل وتدمير بعضها جزئياً، نتيجة القصف العشوائي من جانب القوات الحكومية السورية، إلى أنّ تمّ التوصل إلى اتفاق تسوية يقضي بإخراج عناصر من المعارضة المسلّحة إلى الشمال السوري.
صورة رقم (1)
صورة رقم (2)
صورة رقم (1) و(2) و(3)- صور تظهر جانباً من الدمار الذي طال أحياء في مدينة الصنمين، نتيجة القصف المدفعي عليها من قبل القوات النظامية السورية في 1 آذار/مارس 2020، مصدر الصورة: ناشطون إعلاميون من مدينة الصنمين.
وبحسب أحد الناشطين الإعلاميين في مدينة الصنمين، فقد نصّ الاتفاق الأخير على إجراء “تسوية” برعاية الفيلق الخامس المحسوب على روسيا، تقضي بانضمام عناصر المعارضة المسلّحة لصفوف الفيلق وإخراج من لا يرغب بذلك إلى الشمال السوري، بالإضافة إلى التعهّد بعدم اعتقال أي شخص من المدينة، وتسليم المعارضة عدداً من قطع السلاح الموجودة في المدينة للقوات الحكومية السورية، وعلى إثر هذا الاتفاق خرج 19 مقاتلاً إلى الشمال السوري، بينهم ثلاثة جرحى وصلوا إلى معبر الزندين الذي يفصل بين فصائل المعارضة المسلّحة والقوات الحكومية السورية بريف حلب.
وأشار المصدر إلى أنّ الهجوم الأخير على مدينة الصنمين، تمّ بموافقة ومشاركة مجموعات من أبناء المدينة والذين كانوا قد انضموا سابقاً لصفوف قوات الحكومة السورية، بقيادة كل من “ث. العباس” و “ع. اللباد” الملقب (بالجاموس)، وهما من متزعمي المجموعات العاملة لصالح الأفرع الأمنية التابعة للقوات الحكومية السورية في الصنمين.
[1] تمّ هذا الاتفاق على ثلاثة مراحل وبضمانة الشرطة العسكرية الروسية، حيث شملت المرحلة الأولى الريف الشمالي ومنطقة اللجاة في درعا، فيما شملت المرحلة الثانية باقي المحافظة عدا حوض اليرموك (والذي سيطرت عليه القوات النظامية السورية في بداية شهر آب/أغسطس 2018)، في حين شملت المرحلة الثالثة محافظة القنيطرة، وكانت أبرز بنوده: تسليم المعابر الحدودية للقوات الحكومية، وتسليم السلاح الثقيل والمتوسط من الفصائل العسكرية إلى هذه القوات وعودة الموظفين إلى أعمالهم، إضافة إلى تسوية أوضاع المسلحين والمطلوبين من أبناء المحافظة، ووقف عمليات الاعتقالات والملاحقات الأمنية والإفراج عن المعتقلين.
[2] بحسب مركز توثيق الانتهاكات في سوريا، فقد تمّ توثيق 952 حالة اعتقال، من بينهم 719 معتقل مازالوا محتجزين في سجون الأجهزة الأمنية السورية ، و190 مفرج عنهم، فيما تمّ توثيق 43 معتقل توفوا تحت التعذيب، وأشار المركز إلى أنّ من بين هذه الأعداد الموثقة، 446 مدني محتجز، و506 من عناصر التسويات (مقاتلين سابقين)، ويبلغ عدد الرجال الذكور منهم 929 معتقل في حين يبلغ عدد الإناث 16 محتجزة، وقد تمّت هذه الاعتقالات في مناطق عدّة أبرزها “منطقة اللجاة ثم منطقة حوض اليرموك ثم مدن داعل والحارّة وطفس والشيخ مسكين”.
[3] بحسب الباحث الميداني لدى المنظمة فإنّ الضحايا الذين قتلوا نتيجة القصف هم من أبناء بلدة جلين، وتمّ التعرف على أسمائهم وهم (الطفل محمد علي الفارس والطفلة رشا نبيل الظواهرة، وعلي حسن محمد وصالح حسين الويس وفادي موسى الجيزاوي ونزار محمد الخالد وطارق محمد عمران).
[4] سيطرت المعارضة المسلحة على الجنوب السوري منذ نيسان/أبريل 2012 وحتى آب/أغسطس 2018.
[5] تم تشكيله في نهاية عام 2016، ويعتبر القوة الضاربة للجيش الروسي في سوريا، وبعد دخول التسوية في الجنوب السوري حيز التنفيذ في تموز/يوليو 2018، انضمت إليه معظم قوات المعارضة السورية المسلحة تحت قيادة (أحمد العودة) القيادي السابق في “قوات شباب السنة” المعارضة.
[6] للمزيد من الاطلاع اقرأ: ” درعا: زيادة حادة في مستويات العنف والاغتيالات منذ “اتفاق التسوية” سوريون من أجل الحقيقة والعدالة في 3 كانون الثاني/يناير 2020. آخر زيارة بتاريخ 7 نيسان/أبريل 2020. https://stj-sy.org/ar/%d8%af%d8%b1%d8%b9%d8%a7-%d8%b2%d9%8a%d8%a7%d8%af%d8%a9-%d8%ad%d8%a7%d8%af%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d9%85%d8%b3%d8%aa%d9%88%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%86%d9%81-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%ba/.