مع بداية العام 2022، انتهجت الحكومة التركية إجراءات أشدّ قسوة في عمليات التوقيف والإعادة القسرية بحق لاجئين سوريين على أراضيها، ولاسيما في ولاية إسطنبول. حيث قامت بإعادة عشرات اللاجئين تعسفاً وبشكل غير قانوني، رغم حيازتهم على وثائق رسمية صادرة عن الحكومة التركية تسمح لهم بالتواجد في تركيا بشكل قانوني، منها وثيقة “إذن عمل” و”إقامة طالب” و”بطاقة الحماية المؤقتة/كملك”.
لم تستثنِ عمليات الترحيل تلك حتى اللاجئين السوريين الذين كانوا قد بدأوا بالفعل إجراءات الحصول على الجنسية التركية.
تراوح متوسط أعداد المعادين قسرياً من تركيا إلى سوريا خلال كانون الثاني/يناير 2022 نحو 40 شخصاً بشكل يومي، وذلك عبر المعابر الحدودية الرسمية وهي: معبر باب الهوى في إدلب ومعبر باب السلامة في حلب ومعبر تل أبيض في الرقة. علماً أنّ هذا العدد لا يشمل الأشخاص المعادين إلى سوريا، بعد محاولتهم دخولهم إلى تركيا بطرق غير شرعية.
انتهجت تركيا سياسة الإعادة القسرية للاجئين السوريين منذ عام 2019، حيث تجبر اللاجئين بعد توقيفهم في مخيمات ومراكز احتجاز ومعاملتهم بطريقة سيئة على التوقيع والبصم على ورقة تسمى “العودة الطوعية”.
وكانت “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” قد أعدت تقريراً احتوى على شهادات وأدلّة وافرة حول عمليات الترحيل القسرية بحق سوريين/ات في العام 2021، وكشف التقرير الفجوة القائمة بحق عدد اللاجئين السوريين الحقيقي في تركيا.
ترحيل عشرات اللاجئين يومياً
شهد شهر كانون الثاني/يناير 2022، ترحيل السلطات التركية مئات اللاجئين السوريين إلى شمالي سوريا عبر المعابر الرسمية، أحد القادة في الجيش الوطني السوري/المعارض، من العاملين ضمن معبر باب السلامة قال لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة ما يلي:
“شهد شهري كانون الأول/ديسمبر وكانون الثاني/يناير عمليات ترحيل يومية بحق سوريين، تراوحت ما بين 25 إلى 50 لاجئاً عبر معبر باب السلامة، وما بين 50 إلى 100 لاجئ عبر باب معبر باب الهوى وما بين 10 إلى 20 لاجئ عبر معبر تل أبيض، وهذه الأعداد لا تشمل الأشخاص الذين ألقي القبض عليهم خلال محاولتهم الدخول بطريقة غير شرعية إلى تركيا ولا تشمل أيضاً من عادوا طوعاً وبشكل حقيقي إلى سوريا.. كما شهدنا في شهر كانون الثاني إعادة السلطات التركية قسراً لـ210 لاجئاً سورياً دفعة وحدة عبر معبر باب السلامة”.
ويضيف القيادي:
“تختلف طبيعة التعامل مع المعادين قسراً بحسب الجهة التي تتواجد في المعبر، فالجبهة الشامية تقدم الماء لهم وتسهل حركتهم، بينما الفرقة التاسعة ولواء المعتصم فيقومون بالتحقيق معهم وأخذ صور لهم وتعميمها على المجموعات الأمنية على أن هؤلاء الأشخاص قد يشكلون خطراً، بينما تقوم فرقة السلطان مراد بالقبض على أي شخص كردي من بين المعادين وتحيله للتحقيق بحضور ضابط تركي.”
من جانبه، نشر معبر باب السلامة حصيلة لأعداد ما أسماهم “العائدون بشكل طوعية” خلال شهر كانون الثاني/يناير، وبلغت 421 شخصاً دون الإشارة إلى حقيقة وجود مرحلين قسراً ضمن هذا الرقم. في حين بلغ عدد المرحلين بحسب وصف القائمين على معبر باب الهوى 1139 شخصاً. أما عدد العائدين عبر معبر تل أبيض فقد بلغ 500 شخصاً وفق ما نشره الحساب الرسمي للمعبر، دون الإشارة إلى حقيقة وجود جزء من “العائدين” تمّ ترحيلهم بشكل قسري من تركيا.
حملات توقيف وترحيل عشوائية
تقوم السلطات التركية عادة بعمليات سؤال روتينية في المناطق التي يتركّز فيها تواجد اللاجئين السوريين في اسطنبول، وتطلب منهم أوراقهم الثبوتية والوثائق التي تسمح لهم بالتواجد في تركيا بشكل قانوني، منها على سبيل المثال “بطاقة الحماية المؤقتة”. لكن اللافت في عمليات التوقيف التي جرت خلال شهر كانون الثاني/يناير 2022، أن الشرطة التركية لم تميّز بين من يحمل الوثائق ومن لا يملكها أصلاً.
أحد اللاجئين الذين تعرض للترحيل، (ميار. ع)، يحمل إذن عمل ويتقن اللغة التركية تم ترحيله ومنعه من توكيل محامي، قال لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة حول ما جرى معه، قائلاً:
“أنا مقيم في تركيا منذ 8 سنوات رفقة زوجتي وأطفالي الثلاثة، وأتقن اللغة التركية وحاصل على إذن عمل في ولاية إسطنبول، وكنت قد أرسلت ملفي إلى دائرة الهجرة التركية من أجل الحصول على الجنسية التركية.. في يوم 9 كانون الثاني/يناير أوقفتني الشرطة التركية في (سوق السوريين) في اسنيورت، وطلبوا مني بطاقة الحماية المؤقتة (كملك) فأبرزتها لهم مع إذن العمل. لكنّم طلبوا مني الوقوف جانباً واحتفظوا بأوراقي.. وبعدها بقليل طلبوا مني الصعود إلى حافلة ونقلوني إلى المشفى وأجروا إلى اختبار كورونا، ومن ثم نقلونا إلى مركز ترحيل الأجانب (توزلا) وكانوا يقولون لي إنها إجراءات روتينية.
لقد بقيت محتجزاً هناك مدة تسعة أيام، ومن ثم نقلونا بحافلات إلى ولاية كلس الحدودية مع سوريا، عندها عرفت أنهم سيقومون بترحيلنا، فطلبت الإذن لتوكيل محامي لكنهم منعوني من ذلك، وعندما رفضت التوقيع والبصم على استمارة (العودة الطوعية) قالوا لي نحن بصمنا ووقعنا بدلاً منك ونقلونا إلى معبر باب السلامة وسلمونا للجانب السوري بتاريخ 18 كانون الثاني/يناير”.
شاهد ثاني، (سعيد. ع)، وهو طالب في إحدى جامعات اسطنبول وتقدم للحصول على الجنسية التركية، تم توقيفه بشكل عشوائي وترحيله قسراً إلى داخل الأراضي السورية، قال لسوريون من أجل الحقيقة إنه تم إلقاء القبض عليه قرب الجامعة التي يدرس بها يوم 6 كانون الثاني/يناير، وأضاف:
“أنا أحمل بطاقة حماية مؤقتة صادرة من ولاية (أفيون) وأدرس في جامعة اسطنبول بمعهد الكهرباء، وفي يوم 6 كانون الثاني/يناير وبعد انتهائي من تقديم امتحان الفصل الأول، أوقفتني الشرطة التركية بالقرب من الجامعة وطلبوا مني بطاقة الحماية المؤقتة، فأخرجتها لهم مع بطاقة الطالب، فاحتجوا لماذا لا أحمل إذن سفر من ولاية (أفيون)، فطلبت منهم التريث لحظات لأقوم باستخراجه إلكترونياً عبر الموقع المخصص لذلك لكنهم لم يسمحوا لي باستخدام الهاتف.. لقد أخبرتهم أنه بقي لي فصل دراسي واحد وسأنهي جامعتي لكنهم لم يستجيبوا، من ثم نقلوني إلى مركز ترحيل الأجانب (توزلا) وبقيت محتجزا هناك 12 يومياً، ومن ثم نقلوني إلى الحدود السورية وسلموني إلى معبر باب السلامة رغم رفضي التوقيع والبصم على ورقة العودة الطوعية”.
وتابع المصدر:
“كنت مرشحاً للحصول على الجنسية التركية لكنهم دمروا كل ذلك بعدما أوقفوا بطاقة الحماية المؤقتة الخاصة بي، حاولت التواصل مع محامي من أجل تسوية وضعي لكنه طلب مبلغ 30 ألف ليرة تركية، وهذا مبلغ طائل جداً، لكني دفعت لمحامي آخر مبلغ 3 آلاف من أجل التقصي حول وضعي فوجد أن السلطات التركية فرضت علي منع دخول إلى تركيا مدة 5 سنوات إضافة لوضع كود رقم V87 على ملفي والذي ينص أنه يشكل خطراً أمنياً على تركيا، بحسب ما أخبرني به المحامي”.
وفي تاريخ 31 كانون الثاني/يناير 2022 انتشر تسجيل مصور على وسائل التواصل الاجتماعي يظهر عشرات الشبان السوريين المعادين قسراً من تركيا عبر معبر باب السلامة، وتحدث الشبان خلال الفيديو كيف ألقت السلطات التركية القبض عليهم بطريقة عشوائية من مناطق مختفة وكيف احتجزتهم من مركز “توزلا” ومن ثم قامت بإعادتهم قسراً إلى سوريا رغم امتلاكهم لوثائق قانونية تتيح لهم التواجد والتحرك في تركيا، وذكرت وسائل إعلام سورية أن أعداد الشبان الذين تحدث بعضهم في الفيديو المصور وصلت إلى 150 شخصاً، جرى توقيفهم في الشوارع بطريقة عشوائية من بينهم شبان لديهم مصالح أو عوائل في تركيا وفي إحدى الحالات كان هناك شاب يقيم مع طفله ذو أربعة أعوام، وتم ترحيل الأب في حين بقي الطفل وحيداً في تركيا يرعاه أصدقاء والده.